اتفاق فتح وحماس في تركيا يكشف الوجوه ويثير التساؤلات

أوجه الحقيقة – فلسطين – 

مجددا فضحت معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، متاجرة السلطة الفلسطينية وفصائلها وعلى رأسها حركتا “حماس” و”فتح”، ومعهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالقضية لتحقيق مصالح خاصة.

أياما معدودة على توقيع معاهدة السلام الإماراتية يوم 15 سبتمبر/ إيلول الجاري، وتسارع السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس (المنتهية ولايته دستورياً في 9 يناير/كانون الثاني 2009م) إلى الانضمام لحركة حماس والارتماء في أحضان أردوغان الذي يناصب العرب العداء، والتي تعاني العديد من الدول العربية من تدخلاته واعتداءته الدموية عليها، كما في سوريا والعراق وليبيا.

وفي مسرحية هزلية، سارعت حركة فتح إلى تركيا حيث يتواجد قادة حركة حماس، لإجراء حوار بشأن إنهاء الانقسام ( المستمر منذ سيطرة حماس على غزة في يونيو/ حزيران 2007) وبحث إجراء انتخابات.

وبالتزامن مع ذلك يهاتف عباس أردوغان، الإثنين الماضي، طالبا دعمه لإنجاح الحوار، ثم في اليوم التالي، يعلن وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي، أن بلاده، قررت التخلي عن حقها في ترؤس مجلس جامعة الدول العربية بدورته الحالية، ردا على رفضها القاطع لاستخدامها كمنصة تمرير أي مشاريع تحريضية ضد دولة الإمارات، التي كانت ومازالت داعما رئيسيا للقضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين.

وجاء اتخاذ هذا الموقف بعد أن حاولت السلطة الفلسطينية ابتزاز الجامعة العربية بقرار خلال اجتماع وزراء الخارجية، الذي عقد في 9 سبتمبر/أيلول الجاري، للتحريض ضد الإمارات، وهو ما أسقطته الجامعة ولم تحقق للفصائل الفلسطينية تلك المكيدة.

وتكتمل فصول المسرحية بإعلان حركتي “فتح” و”حماس”، اليوم الخميس، توصلهما لاتفاق واضح لإجراء الانتخابات (تبدأ بانتخابات المجلس التشريعي، ثم الرئاسية، وأخيرا المجلس الوطني) في أفق لا يتجاوز 6 شهور.

وحتى تكتمل المسرحية بالطبع لا ينسى الوفدان أن يعبرا عن شكرهما للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

واختار عباس أن يدور في فلك حماس، ويجعل أردوغان الذي لم يقدم أي دعم حقيقي للقضية الفلسطينية، وسعى طوال السنوات الماضية بالتعاون مع نظام الدوحة لتكريس الانقسام الفلسطيني بمثابة مظلة وغطاء شرعي لوجوده، متوهما إنه يكايد الدول العربية الذي لطالما دعمت القضية الفلسطينية على مدار تاريخها، وما زالت.

هذا الدعم تؤكده الأرقام ويلمسه الفلسطينيون على أرض الواقع بعيدا عن الخطب النارية والظواهر الصوتية، ففي عام 2017، كشف تقرير صادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة عن حقيقة تركيا وقطر ليسقط كل الأقنعة، ويفضح المتاجرين بالفلسطينيين وقضيتهم.

ويرصد التقرير أهم المتبرعين والداعمين للفلسطينيين واللاجئين منهم على مستوى العالم، ومن بين أهم 20 داعما ومتبرعا لا يظهر اسم تركيا ولا قطر ولا إيران على الإطلاق.

ولكن يمكن بوضوح رؤية اسم المملكة العربية السعودية في المركز الرابع بإجمالي يصل إلى 96 مليون دولار تقريبا في عام واحد، وجاءت الكويت في المركز الثامن، بإجمالي 32 مليون دولار، أما الإمارات العربية المتحدة فجاءت في المركز الـ12 بإجمالي 17 مليون دولار تقريبا.

وإذا اتفقا فتح وحماس بالفعل برعاية أردوغان على إنهاء الانقسام، فهنا تثار العديد من التساؤلات التي تفرض نفسها، فإذا كانت هناك نوايا صادقة من فتح وحماس لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وإجراء انتخابات؟ فما الذي قدمته لهم تركيا لتحقيق تلك المصالحة إذا كانت المسألة شأن داخلي بحت؟، وإذا كان قرارهم بأيديهم فلماذا لم يقدموا على تلك الخطوة منذ 13 عاما؟، وإذا كانت لتركيا هذا التأثير، فلماذا تأخرت عن المساعدة في إتمام المصالحة كل تلك السنوات؟ وما الذي تجنيه القضية الفلسطينية بقيام عباس بالانقلاب على حاضنته العربية والبحث عن حاضنة تركيا بديلة كغطاء شرعي له؟

الإجابة على كل تلك التساؤلات تكشف بالدليل القاطع قيام جميع تلك الأطراف بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية لتحقيق مصالحهم الخاصة، وأن كل ما يجرى هو مسرحية هزلية، للعبث بمشاعر الشعب الفلسطيني، الذي أضحى واعيا بشكل تام لما يجرى حوله.

والحقيقة، إن كان هناك أحد يستحق الشكر، فالشكر واجب لدولة الإمارات، التي لولا المعاهدة التي أبرمتها، ما تحركت كل تلك الأطراف لإنجاز ما فشلوا عمدا في القيام به على مدار نحو 14 سنة، إذا كانوا جادين فعلا في إنجاز ما اتفقوا عليه.

فقد لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تأسيسها دورا بارزا في دعم الشعب الفلسطيني لاسترجاع حقوقه المشروعة، مستندة إلى سياسة تتسم بالواقعية بعيدا عن استراتيجية الظواهر الصوتية، التي تنتهجها الدول المتاجرة بالقضية الفلسطينية.

وفيما كانت إسرائيل قاب قوسين أو أدنى خلال الأسابيع الماضية من ضم غور الأردن والمستوطنات بالضفة الغربية، الأمر الذي يعني القضاء على أمل إقامة دولة فلسطينية، تدخلت الإمارات بدبلوماسيتها الواقعية لتمنع الضم عبر معاهدة سلام تاريخية مغ إسرائيل.

وبينما تواصل الإمارات العمل من أجل نصرة القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني عبر السلام، يكتفي عباس وزمرته بدعم من أنقرة والدوحة بشن حملات تحريضية ضد الإمارات والدول التي تؤيد مواقفها الداعمة للسلام.

هذا السلوك بات يؤكد حرص السلطة وقادتها وعلى رأسهم رئيسها محمود عباس على استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون أي حلول، لمواصلة تربحهم من المتاجرة بتلك القضية.

فالإمارات لم تعلن التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية، ولم تدع الفلسطينيين لذلك، ولم تمنعهم أيضا من نيل أي حقوق يطالبون بها، على العكس تماما، نجحت الإمارات -دون أن يطلب منها أحد ومن واقع إحساس قادتها بالمسؤولية عن قضية تعد مركزية في سياستها الخارجية منذ تأسيسها- في إنقاذ 30% من الأراضي الفلسطينية وأكثر من 100 ألف فلسطيني كانوا معرضين للطرد وإنهاء 6 سنوات من الجمود.

كما بثت الروح في المسار التفاوضي للوصول إلى السلام العادل والشامل بعد نحو 3 عقود من مفاوضات بلا جدوى، أي حصلت على مكاسب مقدما للقضية الفلسطينية في سابقة بتاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية.

وفتحت الإمارات الطريق أمام تسوية وضع الأقصى، وألزمت معاهدة السلام إسرائيل بفتح المسجد أمام المسلمين من بقاع الأرض كافة.

وخلال التوقيع على معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول الجاري، أكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، أن هذه المعاهدة ستمكن الإمارات “من الوقوف أكثر إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتحقيق آماله في دولة مستقلة ضمن منطقة مستقرة مزدهرة”.

ولا تزال الإمارات تعمل على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولكنها اختارت طريقا مختلفا عن طرق سلكها العرب على مدى عقود، ولم تسهم في شيء، سوى في خسائر متلاحقة للقضية.

وعلى النقيض من الموقف الإماراتي الداعم للقضية الفلسطينية، لا يتوقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن خطاباته النارية وحروبه الكلامية ومسرحياته الهزلية، وسعيه الدائم إلى اللعب بمشاعر العرب والمسلمين، كلما كانت هناك مناسبة عن القضية الفلسطينية، مع أن الحقائق عكس ذلك تمام.

ورغم أن العلاقات الرسمية التركية الإسرائيلية بدأت في مارس/آذار عام 1949، وأصبحت تركيا أول دولة ذات أغلبية إسلامية تعترف بإسرائيل كوطن قومي لليهود على حساب الفلسطينيين، لم تقدم أي شيء للقضية الفلسطينية أو رفع معاناة الشعب الفلسطيني.

بل عمل النظام التركي عن طريق المال القطري، على تعميق هوة الانقسام في صفوف الفصائل الفلسطينية عبر الدعم المستمر لحركة “حماس”، وتجاهل التعامل مع السلطة الفلسطينية، إلى جانب تعزيز التبادل التجاري والعسكري مع إسرائيل.

Exit mobile version