ممارسات نظام أردوغان شرق المتوسط تهديد لأمن أوروبا

أوجه الحقيقةتركيا – 

خطوات استفزازية وتصريحات استعراضية.. ذلك هو نهج النظام الحاكم في تركيا بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع اليونان، في تصعيد كاذب يأمل من ورائه في إشعال ملف شرق المتوسط لتحويل الأنظار عن فشله داخليا وخارجيا.

عاصفة هوجاء أثارها أردوغان عبر نهج استفزازي يرمي إلى توتير الأجواء وتسميمها، ورفع منسوب العدوانية في التعامل مع الخلافات بشأن الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الغاز في المنطقة.

المتتبع لمسار التوتر بين أنقرة وأثينا، يقف بلا عناء على أن نقاط ارتكاز الأزمة برمتها كانت على الدوام ناجمة عن تصريحات أو تحركات صادرة عن الجانب التركي، أي أنه هو من يطلق الاستفزازات، ثم ينتظر ردود الأفعال حتى يصيغ وفقها خطواته اللاحقة.

وفي 10 أغسطس/آب الماضي، نشرت تركيا سفينة الاستكشاف “عروج ريس” في المياه بين قبرص وجزيرتي كاستيلوريزو وكريت اليونانيتين، ما أثار غضب أثينا والاتحاد الأوروبي، وسط تنديد دولي واسع بعداء أنقرة المتنامي في المنطقة.

فبعد سوريا وليبيا، تتأهب أنقرة لإشعال شرق المتوسط، ملوحة باستخدام القوة العسكرية البحرية ضد كل طرف يتدخل في المنطقة، في انتهاك صارخ لمقتضيات القانون الدولي.

مجازفة تركية غير محسوبة العواقب، تتخذ من طمع أردوغان وتعطشه لمد النفوذ وقودا ينذر بمواجهة عسكرية مسلحة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

مجلة “ذو ناشيونال إنترست” الأمريكية، قالت إن أردوغان “يشعر بأن سياسته العدائية في ملف الطاقة ستحظى بقبول وسط الشعب، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية ببلاده “، في إشارة إلى تدهور المؤشرات المالية والاقتصادية.

نزعة عدوانية حولت تركيا التي كانت تعتمد سياسة “صفر مشاكل” مع الجيران إلى أخطبوط تمتد أذرعه إلى كل مكان لتنهب ثرواته وتعبث بأمنه وسلمه من أجل استنزافه وسلبه ثرواته، لتحقيق أهداف اقتصادية ضيقة، وأخرى تتعلق بأوهام استعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية.

ولتفعيل هوسه، وسّع أردوغان نطاق سياسته العدوانية، فوقع اتفاقا غير قانوني مع ميليشيات العاصمة الليبية طرابلس، من أجل ترسيم المنطقة الاقتصادية للبلدين، متعمدا تجاهل حقوق ومواقف قبرص واليونان.

ولاحقا، اتخذ من الاتفاق مطية لتبرير إعلانه التنقيب عن النفط في منطقتين يعتبرهما القانون الدولي ضمن مياه اليونان وقبرص، مهددا باللجوء إلى القوة لمواجهة أي طرف يتدخل في المنطقة، في انتهاكات متواترة لمقتضيات القانون الدولي.

عدوان دفع أثينا للجوء إلى الأمم المتحدة في محاولة لحشد المجتمع الدولي وحثه على التصدي لسلوك أنقرة “غير الشرعي” شرق المتوسط، والذي قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إنه يتسبب بزعزعة الاستقرار والسلام بالمنطقة.

بدوره، ندد الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، مؤخرا، بـ”عدوانية” تركيا محذرا من أن الوضع الناجم عن تزايد التوتر “متفجر جدا ويثير القلق”، في وقت تتهرب فيه أنقرة من الحوار، عقب نفي أثينا إجراء أي محادثات معها حول تخفيض التوتر شرق المتوسط.

وكلما ضاق الخناق عليها، وطوقتها أصابع الاتهام من كل جانب، تعاود أنقرة اللجوء إلى اختلاق حيثيات واهية تروج لها أبواقها الإعلامية بكثافة، أملا بالحصول على شرعية مزيفة لانتهاكاتها. .

ففي ظل بلوغ التوتر حول الحدود البحرية والجرف القاري والمناطق الاقتصادية بين تركيا واليونان مرحلة تنذر بمواجهة عسكرية وشيكة، بدأت أنقرة تتحدث عن تسليح الجزر منزوعة السلاح، في حرب إعلامية قد ترفع مخاطر الصدام إلى أقصاها.

اتهامات قديمة، لكن أنقرة تستحضرها كلما أرادت التصعيد مع أثينا، مستخدمة صورا ومقاطع فيديو مفبركة أو يتم إخراجها عن سياقها، مستنجدة بنفس الذريعة، وهي أن التواجد العسكري اليوناني في هذه الجزر يمثل تهديدا مباشرا لأمنها القومي لقربها من الأراضي التركية.

لكن اللافت هو أن الوجود العسكري اليوناني في تلك الجزر لم يكن أبدا وليد التطورات الأخيرة في شرق المتوسط، وإنما بدأ منذ 1960، ما فضح النوايا الحقيقية لأنقرة ولتصريحات مسؤوليها، وجعل مراقبين يصفونها بـ”المتأخرة جدا”، مطالبين إياها بنقل الملف إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، في حال ترى بالفعل في الأمر أي تهديد كما تدعي.

بالتزامن مع تصريحات استعراضية لأردوغان، ذكر إعلام محلي أن أنقرة أرسلت قوات إضافية إلى حدودها مع اليونان، في تصعيد جديد بنى عليه الرئيس التركي آمالا واسعة بإحداث ضغط من شأنه أن يفرز تنازلات من اليونان والاتحاد الأوروبي بملف شرق المتوسط.

وبالتزامن مع ذلك، حرص أردوغان أيضا على الإدلاء بتصريحات حاول جاهدا شحنها بكمية هائلة من “القوة” التي بدت مركبة وغير متسقة مع السياق العام للأحداث.

وقال، في كلمة خلال افتتاحه مدينة طبية في إسطنبول: “سيدركون أن تركيا تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لتمزيق الخرائط والوثائق المجحفة التي تفرض عليها”.

كما زعم أن بلاده مستعدة لأي سيناريو والنتائج المترتبة عليه، في إشارة ضمنية إلى استمراره في التصعيد، محاولا الضغط من أجل تحسين شروط الحوار مع أثينا وأوروبا، في وقت يؤكد فيه معظم المتابعين للملف أن حالة الوهن التي تشهدها أنقرة على جميع المستويات، تجعلها أكثر الأطراف حرصا على عدم الدخول بمواجهة عسكرية.

ويرى مراقبون أن الاقتصاد التركي المتهالك، وحالة الاستياء الشعبي المحلي من الأداء الحكومي واستنزاف موارد الدولة بحروب خارجية، علاوة على ارتدادات انتشار فيروس كورونا.. جميعها عوامل تدفع أنقرة للبحث عن موارد بديلة بأقل التكاليف وأخف الأضرار،  كما أنها لن تجازف أبدا ـ من منطلق العجز ـ بخوض حرب تدرك جيدا أنها ستكلفها وجودها.

Exit mobile version