“شريان أوكرانيا”: لماذا يسعى بوتين إلى بسط يده على مدينة مريوبول بأي ثمن؟

ماريوبول

أوجه الحقيقة 

تُصارع مدينة مريوبول الأوكرانية المنكوبة منذ أسابيع الحصار الروسي الخانق والدمار العدائي الشامل، هي هدف بوتين الاستراتيجي، حكم عليها بمصير حربي فجعلها منطقة وسطى ما بين جحيم الوضع الإنساني ونار القصف الميداني.

ومع تصاعد المعارك القتالية على أرض مريوبول الساحلية، واستخدام القوات الروسية أحدث الصواريخ وأسرعها بهدف السيطرة على هذه المدينة الشرقية الساحلية وتنفيذ مخطط بوتين في الحرب الأوكرانية، لكن لماذا يريد بوتين مهما كلّفه الثمن ربح معركة نزع مريوبول من الولاء الأوكراني؟ وفيما تكمن أهمية هذه المدينة بالنسبة لقائمة الأهداف الروسية؟

أهمية مريوبول

أضحت مدينة مريوبول الأوكرانية الواقعة جنوب شرق البلاد، مقبرة إنسانية تنزف يومياً بسبب تصاعد القصف الروسي العنيف لكلّ متر من ربوعها، في مشاهد مروعة طغت على المدينة التي صورت عمق الهجمات الدموية المستهدفة للمدنيين والمنشآت الحاضنة للسكان والحامية للأطفال والنساء.

ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، مشاهد مأساوية تصف وضع المدينة بالمكان أو الواد الذي تفيض فيه المقابر الجماعية والجثث المتروكة تحت الأنقاض أو الملقاة على قارعة الطريق، أمام ارتفاع عدد الضحايا.

أوكرانيا تتحدث عن تكبّد روسيا خسائر عسكرية فادحة

وأظهر مقطع مصور لوكالة “أسوشيتيد برس” دفن بعض الرجال لجثث ملفوفة في سجاد أو أكياس بلاستيكية داخل خندق، الأمر الذي اعتبرته السلطات الأوكرانية بالكارثي.

مأساة مريوبول          

ومع تواصل فرض الحصار على مريوبول، كثفت روسيا هجماتها العسكرية مستهدفة قبل أيام مستشفى للتوليد، إذ انتشرت صورة لسيدة حامل أصيبت في غارة جوية دمرت مستشفى للتوليد، مسفرةً عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 17 آخرين، حيث كانت صورة السيدة الحامل توحي بمرارة الوضع وتعاسة الواقع، صورة غطت عليها دماء جسدها مع محاولات رجال الإنقاذ نقلها إلى مستشفى آخر أين توفيت مع جنينها الذي لم يولد، ما أثار حملة إدانات دولية كبيرة على وحشية قصف روسيا وتعاملها القاسي مع المدينين.

وكشف مجلس مدينة مريوبول أن 2357 شخصا قُتلوا بها منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، وفقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.

وتفاقم الوضع الإنساني في المدينة إذ وصف بيترو أندريوشينكو، المستشار لعمدة المدينة، الوضع بأنه “غير إنساني”. وقال: “لا طعام، لا ماء، لا إضاءة، لا تدفئة”.

لماذا مريوبول؟ دوافع بوتين للسيطرة عليها

خريطة السيطرة في أوكرانيا

لم يحدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تركيز معركته الحربية على إحكام السيطرة على مدينة مريوبول الأوكرانية، صدفة أو عبثاً، بل هذا الاختيار كان دقيقا واستراتيجيا نحو طريق تنفيذ بنود خطته العسكرية في أوكرانيا.

تتمتع مدينة ماريوبول بموقع استراتيجي متميز وهام، فهي من ضمن الأهداف المحورية للقوات الروسية منذ اجتياحها العسكري للأراضي الأوكرانية، وذلك بفضل موقعها الجغرافي الفريد، حيث تقع هذه المدينة، البالغ عدد سكانها 400 ألف نسمة، في منتصف المناطق الخاضعة لسيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا في إقليم دونباس وشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إلى سلطتها منذ عام 2014.

وتحدثت صحيفة Le Temps الفرنسية في تقرير نشرته للإجابة عن سؤال “لماذا ماريوبول؟”، عن أهمية هذه المدينة، حيث يعتبر ميناءها الأكبر على بحر آزوف، وهو بوابة شرق أوكرانيا وشريانها التجاري، ما يشكّل عقبة أمام التواصل الإقليمي الذي طمحت له موسكو بين روسيا وجزيرة القرم، وبذلك فإن السيطرة على المدينة تمهد الطريق إلى إحكام السيطرة الروسية على بحر آزوف، وإنشاء مسلك آمن وخاضع بين روسيا ومنطقة دونباس وشبه جزيرة القرم.

بوتين يسعى من خلال مريوبول إلى تعزيز نفوذه الجغرافي وتوطنه السياسي في الأقاليم الموالية له، فلا تفصل المدينة عن الحدود البرية والبحرية لروسيا إلا عشرات الكيلومترات.

الحرب الروسية الأوكرانية

لم يكن الموقع الجغرافي الاستراتيجي معيار بوتين في اختيار مدينة مريوبول الأوكرانية لشن هجماته وتضييق الحصار على سكانها، بل كان أيضا بدافع أهميتها الاقتصادية التي تمثل مبرراً واضحاً لرغبة روسيا في السيطرة على المدينة.

وتحظى مريوبول بثقل اقتصادي كبير حيث تضم مصنعين كبيرين لإنتاج الحديد، ما يجعلها هدف روسيا لافتكاكها نتيجة قدرتها الاقتصادية القوية وتحوليها إلى شريان التجاري وعماد اقتصادي لجمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين.

وبسبب كل هذه المزايا الاستراتيجية والاقتصادية، أضحت المدينة نقطة صراع وحرب شوارع دامية بين روسيا وأوكرانيا، تزداد عنفاً مسلطاً عسكريا وجويا وصاروخياً من خلال تنفيذ روسيا للمرة الثانية لهجمات صاروخية بسرعة تفوق سرعة الصوت، دمار يتراكم فوق الأشلاء والقطع وموت الأبرياء.

زيلينسكي يعلن السبب الذي سيُؤدي إلى اندلاع “حرب عالمية ثالثة”