قبّل يد القذافي وعانق بوتين…سجل برلسكوني بين بحر المغازلة السياسية وبئر الفضائح الأخلاقية

برلسكوني

أوجه الحقيقة

انتهت إمبراطورية رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، سيلفيو برلسكوني، بوفاته عن 86 عاماً بأحد مستشفيات إيطاليا، بعد صراع طويل مع مرضه النادر.

وضجت حياة الملياردير الشهير بصخب الإعلام والسياسة لتكون حياة مزيج بين نجاحات حكومية ارتكزت على المغازلة السياسة والفضائح الأخلاقية في الآن ذاته.

ومنذ دخوله عالم السياسة في إيطاليا عام 1994، إثر شغله منصب رئاسة الوزراء في البلاد، ارتبط اسم سيلفيو برلسكوني، بصداقته المتينة مع أبرز زعيمين في العالم، أحدها عربي الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي والآخر الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين.

صداقة جريئة مع القذافي

لمع الثري الإيطالي مالك الإمبراطورية الإعلامية الواسعة، برلسكوني، في منهج الغزل الدبلوماسي لأغراض السياسة، فكانت عنوانها علاقة صداقة متينة مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، صداقة جمعت بين الاعتراف بتعظيم شخصية القائد الليبي والظفر بجزاء النفط والاستثمارات.

وأثارت علاقة الصداقة التي تجمع بين القذافي وبرلسكوني حفيظة بعض الحقوقيين، إذ دعت منظمة العفو الدولية في وقت سابق رئيس الوزراء الإيطالي، خلال توليه منصب رئاسة الحكومة، إلى أن يجعل “حقوق الإنسان” المحور الرئيسي لهذه العلاقة.

ولطالما وجه نواب معارضون لرئيس الوزراء الإيطالي الأسبق في عام 2011، انتقادات لسياستيه بسبب امتناعه عن إدانة العنف في ليبيا، بحجة أنه لا يريد “ازعاج” الزعيم الليبي خلال أعمال العنف التي شهدتها بلاده قبل عقد من الزمن، وفقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.

برلسكوني والقذافي

وفي 28 مارس 2010، أشعلت لقطة انحناء سيلفيو برلسكوني وتقبيله يد الزعيم الليبي القذافي موجة من الضجة في الوسط السياسي العالمي، ما اعتبره البعض إساءة لصورة إيطاليا، فيما مضى أخرون إلى اعتبار أن ذلك السلوك يترجم عمق علاقة برلسكوني بالقذافي.

وفي مشهد غير معهود في الأعراف الدبلوماسية، انحنى رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق برلسكوني وقبّل يد القذافي أمام الجميع في القمة العربية التي انعقدت بمدينة سرت الليبية سنة 2010.

وبرر برلسكوني واقعة تقبيل يد القذافي بأن بذلك يعود إلى أنه يتحلى بشخصية جريئة للغاية، على حد تعبيره.

وقال رئيس الوزراء الأسبق في إحدى المقابلات الإعلامية الإيطالية إن شخصيته الجريئة تؤدي به أحيانًا إلى سلوك عفوي لا يتطابق تمامًا مع الشكليات.

كما أشار الثري الإيطالي إلى أنه أقدم على تقبيل يد الزعيم الليبي اعتذارًا لما فعلته روما بطرابلس فترة الاستعمار، قائلاً: “ينبغي أن يدان العنف دائمًا وبصور أكبر حينما يمارسه أحد ضد شعبه”.

برلسكوني وبوتين: صداقة شخصية

رئيس الحكومة الإيطالي الأسبق، لم تقتصر صداقته مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي فحسب، بل اشتهر خلال حياته بعلاقة صداقة شخصية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما جعت وسائل الإعلام ترصد بدقة تصرفات وتحركات برلسكوني وموقفه من بوتين وغزوه لأوكرانيا، رغم مغادر إمبراطورية الإعلام الإيطالي السلطة منذ أكثر من عشر سنوات.

ووفقاُ لوكالة “فرانس برس”، كان سيلفيو برلسكوني معجبا جدا بالرئيس الروسي عندما كان في السلطة، حيث أقام الرجلان علاقة صداقة شخصية وأمضيا عطلا معًا، والتقاطا الصور.

وقال المؤرخ انطونيو جيبيلي في تصريح للوكالة الفرنسية: “كانا شخصين مستبدين يعمل كل منهما على تعزيز صورة الآخر”.

وكان بوتين قد أهدى برلوسكوني سريرا فاخرا ذا أعمدة وستائر، فيما قدم رئيس الوزراء الإيطالي السابق للرئيس الروسي غطاء سرير يحمل صورة الرجلين.

صداقة تحت نيران غزو أوكرانيا

وحرص برلسكوني على التمسك بعلاقة الصداقة التي تجمعه مع بوتين، لا سيما بعد غزو روسيا لأوكرانيا، حيث أظهر الملياردير الإيطالي في الأشهر التي سبقت الصراع قربه من فلاديمير بوتين، مشيراً إلى محادثة “طويلة وودية” معه بمناسبة ليلة رأس السنة الجديدة.

وأثارت التصريحات المسربة لسيلفيو برلسكوني، رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، وزعيم حزب “فورتسا إيطاليا” المحافظ، بشأن تواصله مع الرئيس الروسي وتحميل أوكرانيا مسؤولية إعلان موسكو الحرب، المخاوف من تقويض جبهة أوروبا الموحدة ضد روسيا.

وقال برلسكوني في التسجيل الصوتي الذي نشره موقع “لا بريس” في أكتوبر الماضي: “لقد اعتدت الاتصال بالرئيس بوتين”، مضيفا أن رئيس روسيا أرسل له 20 زجاجة من الفودكا و”رسالة طيبة للغاية” بمناسبة عيد ميلاده الـ 86.

وأردف قائلاً: “كان لابد لبوتين من شن عمليته الخاصة في أوكرانيا، والوصول لكييف للإطاحة بالحكومة، وتنصيب حكومة اختارتها بالفعل الأقلية الأوكرانية تتألف من قادة أكثر عقلانية”.

وأدت صداقة برلسكوني ببوتين إلى خلاف مؤخراً بينه وبين رئيس الحكومة الإيطالية الحالية، جورجيا ميلوني، المؤيدة والداعمة لأوكرانيا.

فضيحة “بونغا بونغا”

ولاحقت وحل الفضائح الأخلاقية والجنسية رئيس الوزراء الإيطالي السابق طيلة فترة حياته، أبرزها كانت فضيحة “بونغا بونغا” التي لطخت سمعة برلسكوني.

واتُهم برلسكوني بالتحرش الجنسي واستغلال القاصرات حيث خضع لعدد من المحاكمات.

وفي يونيو 2013 قضت محكمة إيطالية بالسجن 7 سنوات بحقه بعد إدانته بممارسة الدعارة مع قاصر وإساءة استغلال السلطة، بعد تحقيقات أجراها الادعاء مع “روبي” الراقصة الشرقية المغربية.

ونال سيلفيو البراءة نهائيا من تهم الفضائح الجنسية في مارس 2015 في محكمة النقض.

وفي فبراير 2023، برأت محكمة في ميلانو برلسكوني المتهم بدفع رشوة لشهود للكذب بشأن حفلاته الصاخبة.

ويُشار إلى أن برلسكوني كان أحد رجال الأعمال والسياسية الأكثر ثراء في إيطاليا بثروة قدرتها مجلة فوربس بنحو 6.4 مليار يورو.