أوجه الحقيقة – تركيا –
يدرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جيدا أن أخطر النزاعات الداخلية غالبا ما تنشب جراء المياه، ولذلك يصر على استخدام ورقة التعطيش من خلال عسكرة هذا المورد الحيوي، بهدف تركيع الأكراد سواء في العراق أو سوريا.
سلاح يشهره الرئيس التركي أردوغان في وجه المدنيين بهدف خلق نوع من التمرد الشعبي داخل المناطق الكردية، معتمدا نهج تنظيم “داعش” الإرهابي الذي سارع إلى غلق فتحات السدود ما أدى إلى غرق الأراضي خلفها.
للمرة الثامنة، أوقفت القوات التركية والميليشيات الإرهابية التابعة لها، مؤخرا، تشغيل محطة آبار علوك بريف سري كانيه رأس العين، دون إبداء أية أسباب تذكر، ما أسفر عن انقطاع المياه عن كامل مدينة الحسكة وريفها.
وجاءت الخطوة التركية بعد أيام من تخفيض كميات المياه الواصلة إلى خزانات محطة الحمة بريف الحسكة، قبل أن تقلص عدد المضخات المشغلة إلى اثنتين فقط من أصل 8 تعمل في محطة علوك.
سياسة تعطيش تتواصل منذ ثلاثة أسابيع، حولت حياة المدنيين إلى جحيم، في وقت ينتشر فيه فيروس كورونا بشكل كبير، مستفيدا من غياب المياه.
أوضاع مزرية لمدنيين بات همهم الوحيد تأمين لترات معدودة من المياه، راكضين طوال اليوم خلف الصهاريج التي أصبحت بدورها خالية، بعد قيام القوات التركية وميليشيات سورية موالية لها بوقف مضخة رئيسية عن العمل شمال شرقي البلاد.
شيخة مجيد قضت عشرين يوما تبحث عن مياه صالحة للاستخدام.. تقف أمام باب منزلها في أحد أحياء مدينة الحسكة، تنتظر مع حفيدها وصول أحد صهاريج المياه المتنقلة لتعبئة خزانها.
تقول شيخة (43 عاما) المسؤولة عن إعالة سبعة أولاد وحفيدين: “أركض طوال الوقت خلف الصهاريج، أتوسل الجيران أحيانا للحصول على المياه، وأستدين المال لإدارة أموري”.
وتضيف في تصريحات إعلامية: “لو كانت المياه متوفرة لاستخدمت ثمن شرائها لتوفير الطعام لأولادي”، مشيرة إلى أنها والسكان يستحمون بمياه الآبار المالحة التي لا تستخدم حتى لغسيل الثياب في الأوقات العادية.
ولا تعتبر شيخة الوحيدة التي تصارع الواقع المرير جراء انقطاع المياه، وإنما يعاني مئات الآلاف من ذات المعضلة، ما ينذر بتفاقم انتشار كورونا وغيره من الأوبئة والأمراض، وسط تحذيرات المنظمات الإنسانية من خطورة الوضع.
وتستهدف أنقرة بشكل خاص مناطق الأكراد سعيا نحو خلق نوع من التمرد الشعبي ضد “قوات سوريا الديمقراطية”، عبر حرمان تلك المناطق من المياه التي تعتبر شريان الحياة، ومحرك المصانع والقطاع الزراعي.
وتحتل القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها منطقة حدودية واسعة تضم مدينة رأس العين، حيث تقع محطة مياه علوك التي تزود 460 ألف نسمة بينهم سكان مدينة الحسكة.
مشاهد تدمي القلوب لأطفال وهم يلاحقون صهاريج المياه في شوارع الحسكة، أملا بكمية صغيرة من الماء لم يعد من المهم بالنسبة لهم إن كانت صالحة للشرب أم لا تصلح حتى لغسيل الثياب، المهم هو أن تروي عطشهم في ظل الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة تصل إلى 18 ساعة يوميا.
ليبيا حلم الإمبراطورية العثمانية والشوكة العربية اطماع اردوغان في ليبيا
مشاهد تترجم الدمار الهائل الذي ألحقته أنقرة بمنطقة أرادت عسكرة بنيتها المائية من أجل تركيع الأكراد، حيث سبق أن قصفت محطة تصفية مياه الشرب في محيط بلدة شران شمال شرقي مركز مدينة عفرين.
كما استهدفت أيضا سد “ميدانكي” الواقع على بعد 12 كيلومتر من مدينة عفرين، والذي يؤمن سنويا أكثر من 15 مليون متر مكعب من المياه، تستفيد منه مدينة عفرين وقراها وبلدة أعزاز، من خلال تجميع فائض مياه الأمطار.
وقبل كل ذلك، سيطرت أنقرة على محطة التعقيم وضخ المياه في قرية “ماتينا”، وحولت مجرى مياه الشرب من عفرين إلى مناطق أعزاز، لتقطع بذلك الضخ عن كامل المدينة الأولى وريفها.
وتسعى تركيا إلى خلق تمرد وغضب بالمناطق الكردية ضد “قوات سوريا الديمقراطية”، لإجبارهم على القبول بمشاريع السدود التركية التي تتسبب في تهجيرهم وتشتيتهم، بهدف تصفيتهم ديمغرافيا في إطار مشروع أردوغان الرامي إلى إبادة الأكراد بتعلة مخاوفه من قيام دولة كردية على حدود بلاده.
ولا تعتبر سوريا أولى المتضررين من سياسة أردوغان اللاإنسانية، فقد سبق أن طبقت أنقرة ذات النهج مع العراق، بإصرارها على عدم الاعتراف بحق هذا البلد في المياه العابرة للحدود التركية، حيث تتعامل على أنها بلد المصب، ما يمنحها حقا مزعوما بقطع المياه عن العراق متى شاءت.