هل تكون فوبيا المحتوى المنفرد تعليلاً لتشديد أردوغان الرقابة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل؟

الرقابة الإعلامية في تركيا

أوجه الحقيقة 

عندما تجد سجينا في السجن محكوم عليه بالمؤبد، ستسأل السجين عن السبب وليس القاضي، فطبيعة المكان تحدد المقال، لكن بمجرد معرفة أن ثمة دول ما تزال تفرض الحذف والحجب لتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، تكتشف أن الحكم المؤبد أصبح قدر الحرية في تركيا، خاصة بعد إعلان شركة “تويتر” أن تركيا تصدرت قائمة الدول التي تقدّمت حكوماتها بطلباتٍ للشركة، لحذف تغريداتٍ نشرها مستخدمو على الموقع الأكثر استعمالا من قبل الأتراك  خلال سنة 2021.

وأمام هذه الرقابة الإعلامية في تركيا وإسكات الآراء الذي فرضه أردوغان، تدفع بالمتأمل لهذه الحيثيات إلى معرفة أسباب رقابة الحكومة التركية لكل صوت يرنو إلى الانعتاق، فتكون القراءة التحليلية لدوافع التقييد والإلزام سبيلا لاستجلاء نهج أردوغان للتصعيد في سياسة الحذر على شبكات التواصل ووسائل الإعلام.

رقابة أردوغان على وسائل الإعلام

تسعى الحكومة التركية إلى بسط نفودها على محتوى مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الموقع الأكثر إقبالا في تركيا ” تويتر “، فتطالب شركة هذا الموقع بحذف تغريدات لمستعمليه، حيث تمركزت تركيا في المرتبة الثالثة من بين أكثر البلدان إلى ترسل حكوماتها بطلبات لموقع ” تويتر ” تفيدها بضرورة مسح المحتوى أو منع النفاذ إليه في البلاد، رغم إقرار حكومة أنقرة في صائفة 2020، قانونا للتواصل الاجتماعي ينص  على مضاعفة الرقابة على شبكاتها الاتصالية.

وفي السياق ذاته، أفاد أستاذ الصحافة والدراسات الإعلامية في جامعة ” بيلجي”، أركان ساكا، لموقع “العربية نت “، أن حرية الإعلام والرأي في تركيا أصبحت تخضع لإملاء الحكومة قائلا : “الرقابة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في تركيا تبدو أكثر من اللازم”، معتبراً أن “تصنيف تويتر لا يُعد بالجديد”، مشيرا إلى بوادر التشديد ازدادت منذ المحاولة الانقلابية على أردوغان سنة 2016، فمنذ تلك الفترة الزمنية فرضت الحكومة ” مستوى عالياً من الرقابة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي”.

هيئة مناهضة الفساد بمجلس أوروبا: سياسات أردوغان أضعفت استقلال القضاء التركي

ولفت الأستاذ التركي، ساكا، الانتباه للمصدر نفسه، إلى أن أنقرة أصبحت بهذا التوجه تترجم فوبيا المحتوى المنفرد، لعل حسب قوله ” أن الجديد في رقابة أنقرة على وسائل التواصل الاجتماعي هو أنها لم تعد تلاحق المحتوى السياسي فقط، فهي باتت تلاحق أيضاً المنشورات التي تتطرق للفساد، لاسيما أن هناك الكثير من المبلغين عن جرائم الفساد المتعلقة بالحكومة في الآونة الأخيرة”.

وأرجع أستاذ الدراسات الإعلامية سبب هذا التقييد لكل الأصوات، إلى احتلال تركيا مؤخرا موقعا هاما في تصنيفات الفساد، وهو ما يجعلها قلقة إزاء المواضيع النقدية المتداولة على شبكات التواصل، فلا تفتح المجال إلا لتقديس رأيها دون غيره، لكن هذا الإجراء يًصعد حملة الانتقادات والشكوك في ماهية الحرية الإعلامية وحرية التعبير، فدائما تظل نسبة القيود محدودة بوجود الأصوات المستقلة المنادية بالتحرر.

فوبيا الانتعاق تعلن “حالة الطوارئ ضدّ وسائل الإعلام ”

تزامنا مع إعلان ” تويتر “سعي الحكومة التركية إلى طلب الشركة بحذف محتوى المنشورات على موقعها، يصرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم السبت، للصحيفة التركية الرسمية، بعزمه اتخاذه جملة من الإجراءات ضد وسائل الإعلام بمختلف أصنافها، في صورة نشرها لمحتوى يمس بالقيم الأساسية للبلاد ويضرها، داعيا السلطات التركية إلى تسليط عقوبات قانونية ضد ما وصفه بكونه “المحتوى الضار ” و” الآثار المدمرة ” لبعض ما تقدمه الوسائل الإعلامية من مضامين، من شأنها أن تؤثر في الشباب والأطفال حسب تعبيره.

حرية الإعلام في تركيا

وفي تعليق على قرارات فرض الحكومة تشديد إجراءات الرقابة، قال الصحافي فاروق بيلديريتشي في تغريدة إن أردوغان أعلن للتو “حالة الطوارئ ضد وسائل الإعلام”، وهو ما يؤدي إلى شن حملة من  اعتقال الصحافيين المعارضين، وهو ما أثار انتقادات عدد من الصحفيين والحقوقيين.

من جهته، نشر المحامي فيسيل أوك تغريدة على موقع” تويتر” قائلا : “لا يجوز المساس بالحق في حرية التعبير الذي يكفله الدستور، وليس للتوجيه أي أساس قانوني، لكنه يعني في الممارسة العملية مزيدا من الضغط والرقابة”.

إن المتأمل في المناخ الإعلامي في تركيا يلاحظ هذا المد الرقابي والترهيبي المتصاعد في حق رسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، خاصة بقرارات أنقرة الجديدة المسيطرة بشكل مباشر أو غير مباشر على جميع الأصوات، تحت غطاء تقدمه الحكومة بأن هذه “الأنشطة العلنية أو الخفية عبر وسائل الإعلام والتي تهدف إلى تقويض قيمنا الوطنية والأخلاقية والإضرار بالبنية الأسرية والاجتماعية”.

الصحافة التركية

وتشهد حرية الصحافة والإعلام بعد هذه الإجراءات الأخيرة  حالة من الاغتراب، تغيب فيها أسس الصحافة المستقلة في البلاد، حيث أصبحت وسائل الإعلام الرئيسية على ملك الدولة أو مقربة من الحكومة بنسبة 90 بالمائة، ما ينتج عنها أساسا غياب الاستقلالية وغياب الفاعلية الإعلامية وفق ما أوردته ” العربية نت “.

وفي طريق الرقابة الإعلامية في تركيا، يواصل أردوغان سياسة التهديد حيث قال في تصريح للجريدة الرسمية، إن ثمة نية في إقرار تدابير أخرى لحماية ” الثقافة الوطنية ” في تركيا، التي تحتل مراتب متأخرة في مؤشر حرية الصحافة، إذ كانت تركيا في المرتبة 153 من 180 مؤشر حرية الصحافة لسنة 2021 لمنظمة ” مراسلون بلا حدود”، وهو ما يعمق أزمة حرية الإعلام وحق النفاذ إلى المعلومة، لتبقى الأصوات رهينة سياسة وإجراءات اختارت لها الفناء.

داود أوغلو : حكومة أردوغان لا تحارب الفساد