“جثة حيوان بحري ومأساة مقبرة الغرباء”: جرجيس التونسية تشتعل غضباً بعد غرق “قارب الموت”

تشهد مدينة جرجيس، الواقعة في الجنوب الشرقي التونسي، منذ أكثر من أسبوعين احتقاناً شعبياً بعد غرق قارب لمهاجرين غير شرعيين، كان على متنه 18 شخصا من بينهم نساء وأطفال ورضيعة، متجهاً إلى السواحل الإيطالية، حيث اتهم الأهالي الدولة بالتنصل من مسؤولياتها في البحث عن المفقودين ودفن عدد منهم دون في “مقبرة الغرباء” دون التثبت من هوياتهم.

وانطلقت رحلة المأساة منذ العثور على جثة “ملاك”، التي كانت من بين المهاجرين المفقودين ليتم التأكد من أن مركب المهاجرين بعد أسبوع من فقدان الاتصال بهم، لتبدأ عملية البحث عن الجثث، من خلال تطوع بحارة المنطقة وأسطول من المراكب للعثور على بقية المفقودين.

مأساة مقبرة الغرباء

وتظاهر أهالي جرجيس أمس في شوارع المدينة، مطالبين السلطات بالتحقيق في شأن “كارثة مقبرة الغرباء” أو ما يطلق عليها “جنان أفريقيا”، المخصصة لدفن المهاجرين الذين لفظتهم أمواج البحر المتوسط على الشواطئ التونسية، وأغلبهم من إفريقيا جنوب الصحراء، على خلفية دفن أربعة جثث من المهاجرين المفقودين من أبناء المنطقة فيها دون إعلام عائلتهم أو إجراء تحليل ADN.

وفي هذا الصدد، أكد نشطاء من جرجيس، في تصريح لوسائل إعلام محلية، أن إحدى أمهات المفقودين تعرّفت على جثة ابنها في اليومين الماضيين، عبر مقطع فيديو صوره بحّار لدى عثوره على جثته منذ يوم 26 سبتمبر الماضي، واتصل بالسلط الأمنية المعنية ليتم فيما بعد دفنه في “مقبرة الغرباء”.

واشتعل غضب الأهالي بعد تفطن عائلات الضحايا بأن السلطات انتشلت الجثث منذ مدة ودفنتهم بدون إعلام أهلهم، وهو ما أثار احتقان واسع بعد تشكيك الأهالي في اللغز وراء تعامل السلطات مع الواقعة.

“جثة حيوان بحري”

لم تتوقف مأساة القارب المنكوب عند حدود الغرق ودفن عدد منهم في مقبرة “الغرباء”، بل ما الحزن عمقاً، هو دفن رضيعة في هذه المقبرة وتصنيفه “جثة حيوان بحري”، دون الاعتراف بها، وفق ما صرّح به أهالي جرجيس لإذاعة “موازييك أف أم”.

وما زاد نيران الغضب اشتعالاً إبلاغ السلطات زوج إحدى المفقودات ووالد الرضيعة، العثور على ابنته، قبل أن يقع فيما بعد إعلامه بأن الأمر يتعلق بـ”جثة حيوان بحري”.

وقال الأب “كريم” في تصريح لموقع “الترا تونس”: “لن أقبل العزاء إلّا بعد إيجاد زوجتي وابنتي.. لم أجدهما بعد، وقد أخبروني بأنهم عثروا على جثة زوجتي في قابس في انتظار الذهاب والتعرّف عليها لكن ماذا عن ابنتي؟”.

وأوضح أن سيّدة تمارس رياضة المشي كل يوم على الشاطئ، شاهدت جثة رضيعة لفظها البحر، فما كان منها إلا أن أعلمت السلطات الرسمية بالجهة، قائلًا: “جاءت وحدات الحرس الوطني -أو الحماية المدنية- لا أعرف حقًا، لانتشال الجثة.. ولدى ذهابنا للبلدية صباح أمس، قيل لنا إنها حيوان بحري”، وفق وصفه.

وأضاف: “في جرجيس قد يحدث أن تخرج السلاحف إلى الشاطئ، لكن لا تأتي السلطات لتحملها، هم لا ينتشلون البشر، سينتشلون السلاحف؟ لماذا تكبدوا عناء حمل حيوان بحري؟” على حد قوله.

واستنكر كريم تعامل المسؤولين في الدولة مع الواقعة، معبّرًا عن عدم رغبته في التواصل معهم لتستّرهم عن الحقيقة وعدم البوح بها.